كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقالوا: من أنت يا فتى؟ وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنزًا من كنوز الأوّلين، وأنت تريد أن تخفيه عنا، انطلق معنا فأرناه وشاركنا فيه نُخفِ عليك ما وجدت؛ فإنك إن لم تفعل نأتِ بك السّلطان فنسلمك إليه فيقتلك.
فلما سمع قولهم عجب في نفسه، وقال: قد وقعت في كل شيء أحذر منه، ثمّ قالوا: يا فتى، إنك والله ما تستطيع أن تكتم ما حدث، ولا تظن في نفسك أنك سنُخفي عليك.
فجعل تمليخا ما يدري ما يقول لهم وما يرجع إليهم، وفرق حتى ما يخبرهم شيئًا، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه وطوقوه في عنقه، ثمّ جعلوا يقودونه في سكك المدينة مكببًا، حتى سمع به من فيها، فقيل: أُخذ رجل عنده كنز، فاجتمع عليه أهل المدينة، صغيرهم وكبيرهم، فجعلوا ينظرون إليه ويقولون: والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة، وما رأيناه فيها قط، وما نعرفه. فجعل تمليخا ما يدري ما يقول لهم مع ما يسمع منهم، فلما اجتمع عليه أهل المدينة فرق وسكت ولم يتكلم، ولو قال إنه من أهل المدينة لم يُصدّق، وكان مستيقنًا أن أباه وإخوته بالمدينة، وأن حسبه في أهل المدينة من عظماء أهلها، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا، وقد استيقن أنه عشية أمس يعرف كثيرًا من أهلها وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحدًا.
فبينا هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله: أبوه أو بعض إخوته فيخلصه من أيديهم إذ اختطفوه، فانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبرَيها اللذين يدبّران أمرها، وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أرموس واسم الآخر أسطيوس. فلما انطلقوا به إليهما ظن تمليخا أنه يُنطلق به إلى دقيانوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه، فجعل يلتفت يمينًا وشمالًا، وجعل الناس يسخرون منه كما يسخرون من المجنون والحيران، فجعل تمليخا يبكي ثمّ رفع رأسه إلى السماء وإلى الله عزّ وجلّ، ثمّ قال: اللهم إله السماء والأرض أفرغ عليّ اليوم صبرًا وأولج معي روحًا منك تؤيّدني به عند هذا الجبار. وجعل يبكي ويقول في نفسه: فرّق بيني وبين إخوتي، يا ليتهم يعلمون ما لقيت وأين يُذهب بي، ولو أنهم يعلمون فيأتون فنقوم جميعًا بين يدي هذا الجبار، فإنا كنا تواثقنا لنكونن معًا لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئًا ولا نعبد الطواغيت من دون الله ففُرق بيني وبينهم فلن يروني ولن أراهم أبدًا، وقد كنا تواثقنا على ألاّ نفترق في حياة ولا موت، يا ليت شعري ما هو فاعل بي؟ أقاتلي أم لا؟
هذا ما حدث به تمليخا أصحابه عن نفسه حتى انتهي به إلى الرجلين الصالحين: أرموس وأسطيوس، فلما رأى تمليخا أنه لم يذهب به إلى دقيانوس أفاق وسكن عنه البكاء، فأخذ أرموس وأسطيوس الورق، فنظرا إليه وعجبا منه ثمّ قال أحدهما: أين الكنز الذي وجدت يا فتى؟ هذا الورق يشهد عليك أنك وجدت كنزًا.
فقال لهم تمليخا: ما وجدت كنزًا، ولكن هذا الورق ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، وما أدري ما أقول لكما. فقال أحدهما: فمن أنت؟ فقال له: أمّا ما أرى فكنت أرى أني من أهل القرية. قالوا له: فمن أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدًا يعرفه، ولا أباه، فقال له أحدهما: أنت رجل كذّاب لا تخبرنا بالحقّ. ولم يدرِ ما يقول لهم غير أنه نكس بصره إلى الأرض، فقال بعض من حوله: هذا رجل مجنون. وقال بعضهم: ليس بمجنون، ولكن يحمّق نفسه عمدًا لينفلت منكم. فقال له أحدهما، ونظر إليه نظرًا شديدًا: أتظن أنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال، أبيك وضرب هذا الورق ونقشها أكثر من ثلاثمئة سنة، وأنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا وتسخر بنا، ونحن شرط كما ترى، وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها، وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار؟ إنني لأظنني سآمر بك فتعذّب عذابًا شديدًا ثمّ أُوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدت.
فلّما قال له ذلك، قال تمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدّقتم ما عندي. قالوا له: سل، ما نكتمك شيئًا. فقال: ما فعل الملك دقيانوس؟ قالا له: ليس نعرف ملكًا يُسمى دقيانوس على وجه الأرض، ولم يكن إلاّ ملكًا قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة. قال لهم تمليخا: فوالله ما هو بمصدّقي أحد من الناس بما أقول، لقد كنا فتية، وإن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعامًا وأتجسّس الأخبار فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل ينجلوس أُرِكم أصحابي. فلما سمع أرموس ما يقول تمليخا، قال: يا قوم لعلّ هذه آية من آيات الله عزّ وجلّ جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه يُرِنا أصحابه كما قال.
فانطلق معهم أرموس وأسطيوس وانطلق معهما أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف ينظرون إليهم.
ولمّا رأى الفتية أصحاب الكهف أن تمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به، ظنوا أنه قد أُخذ فذهب به إلى ملكهم دقيانوس الذي هربوا منه، فبينا هم يظنون ذلك ويتخوفون إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم، وظنوا أنهم رسل دقيانوس الجبّار وأنه بعث إليهم ليؤتى بهم، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة، وسلّم بعضهم على بعض، وقالوا: انطلقوا بنا نأتِ أخانا تمليخا، فإنه الآن بين يدي الجبّار دقيانوس ينتظر متى نأتيه، فبينا هم يقولون ذلك، وهم جلوس بين ظهراني الكهف، فلم يروا إلاّ أرموس وأصحابه وقوفًا على باب الكهف، وسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو ويبكي، فلما رأوه يبكي، بكوا معه وسألوه عن شأنه، فأخبرهم بخبره وقصَّ عليهم النبأ كلّه فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نيامًا بأمر الله ذلك الزمان كلّه، وإنما أُوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقًا للبعث، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها.
ثمّ دخل على آثر تمليخا أرموس فرأى تابوتًا من نحاس مختومًا بخاتم من فضة فقام بباب الكهف، ثمّ دعا رجالًا من عظماء المدينة ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبًا فيها: إن مكسلمينا ومجسلمينا وتمليخا ومرطولس وكسوطونس وبيوسرس وتكريوس وبطينوس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا هذا الكهف، فلمّا أُخبر بمكانهم أمر بالكهف فسّد عليهم بالحجارة، وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه مَن بعدهم إن عثروا عليهم.
فلمّا رأوه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث فيهم، ثمّ إنهم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه، ثمّ دخلوا على فتية الكهف فوجدوهم جلوسًا بين ظهرانيه مشرقة وجوههم، لم تبلَ ثيابهم، فخرّ أرموس وأصحابه سجّدًا، وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته، ثمّ كلّم بعضهم بعضًا وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس.
ثمّ إن أرموس وأصحابه بعثوا بريدًا إلى ملكهم الصالح تيدوسيس أن عجّل، لعلك تنظر إلى آية من آيات الله جعلها الله على ملكك، وجعلها آية للعالمين لتكون نورًا وضياءً وتصديقًا للبعث، فاعجل على فتية بعثهم الله تعالى، وقد كان توفّاهم منذ أكثر من ثلاثمئة سنة.
فلما أتى الملك الخبر قام من المسندة التي كان عليها ورجع إليه عقله، وذهب عنه همّه، ورجع إلى الله عز وجّل، فقال: أحمدك الله ربّ السماوات والأرض، وأعبدك وأُسبّح لك تطوّلت علي، ورحمتني برحمتك، فلم تطفئ النّور الذي كنت جعلت لآبائي وللعبد الصالح قسطيطوس الملك.
فلمّا نبّأ به أهل المدينة ركبوا وساروا حتى أتوا مدينة دقيانوس فتلقّاهم أهل المدينة وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف وأتوه، فلما رأى الفتية تيدوسيس فرحوا به وخرّوا سجّدًا على وجوههم، وقام تيدوسيس قدامهم ثمّ اعتنقهم وبكى وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبّحون الله عزّ وجلّ ويحمدونه، ثمّ قال الفتية لتيدوسيس: نستودعك الله، ونقرأ عليك السلام، وحفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شرّ الجن والإنس.
فبينا الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وتوفّى الله أنفسهم، وقام الملك إليهم فجعل ثيابه عليهم وأمر أن يجعل لكل رجل منهم تابوت من ذهب، فلما أمسوا ونام أتوه في المنام فقالوا: إنّا لم نخلق من ذهب ولا فضّة، ولكنا خلقنا من تراب وإلى التراب نصير، فاتركنا كما كنّا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله عزّ وجلّ منه.
فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله تعالى حين خرجوا من عندهم بالرعب، فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم، وأمر الملك فجُعل على باب الكهف مسجدٌ يُصلّى فيه، وجعل لهم عيدًا عظيمًا، وأمر أن يؤتى كل سنة.
وقيل: إنهم لما أتوا إلى باب الكهف قال تمليخا: دعوني حتّى أدخل على أصحابي فأُبشّرهم؛ فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم. فدخل فبشّرهم، وقبض الله روحه وأرواحهم، وعمي عليهم مكانهم، فلم يهتدوا إليه. فهذا حديث أصحاب أهل الكهف.
ويقال: إنّ نبي الله محمدًا صلى الله عليه وسلم سأل ربّه أن يريه إيّاهم، فقال: إنّك لن تراهم في دار الدنيا، ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل عليه السلام: كيف أبعثهم؟. قال: ابسط كساءً لهم، وأجلس على طرف من أطرافها أبا بكر، وعلى الثاني عمر وعلى الثالث عليًّا، وعلى الرابع أبا ذر، ثمّ ادعُ الريح الرخاء المسخّر لسليمان بن داود عليهما السلام فإن الله تعالى أمرها أن تطيعك. ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره، فحملتهم الريح حتى انطلقت بهم إلى باب الكهف، فلما دنوا من الباب قلعوا منه حجرًا، فقام الكلب حين أبصر الضوء فهرّ وحمل عليهم، فلما رآهم حرّك رأسه وبصبص بذنبه وأومأ برأسه أن ادخلوا، فدخلوا الكهف وقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فردّ الله إليهم أرواحهم، فقاموا بأجمعهم وقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقالوا: إنّ نبي الله محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم السلام. فقالوا: على محمد رسول الله السلام ما دامت السماوات والأرض، وعليكم بما بلّغتم. ثمّ جلسوا بأجمعهم يتحدثون، فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقبلوا دين الإسلام، وقالوا: أقرئوا محمدًا منّا السلام. فأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي.
ويقال: إنّ المهدي يسلّم عليهم، فيحييهم الله عزّ وجلّ، ثمّ يرجعون إلى رقدتهم ولا يقومون إلى يوم القيامة.
ثمّ جلس كل واحد منهم على مكانه، وحملتهم الريح، وهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان منهم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وجدتموهم؟ وما الذي أجابوا؟. فقالوا: يا رسول الله، دخلنا عليهم فسلّمنا عليهم، فقاموا بأجمعهم، فردّوا السّلام، وبلّغناهم رسالتك فأجابوا وأنابوا وشهدوا أنّك رسول الله حقًا، وحمدوا الله عزّ وجلّ على ما أكرمهم بخروجك وتوجيه رسولك إليهم، وهم يقرئونك السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تفرّق بيني وبين أصهاري وأحبائي وأختاني، واغفر لمن أحبّني وأحب أهل بيتي وحامّتي، وأحبّ أصحابي».
فذلك قوله عز وجل: {إِذْ أَوَى} أي صار وانضم {الفتية إِلَى الكهف}، وهو غار في جبل ينجلوس، واسم الكهف خيرم، {فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أي يسّر لنا ما نلتمس من رضاك. وقال ابن عباس: {رَشَدًا} أي مخرجًا من الغار في سلامة. وقيل: صوابًا.
قوله: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ} هذا من فصيحات القرآن التي أقرّت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله، ومعناه: أنمناهم وألقينا وسلّطنا عليهم النوم، كما يقال: ضرب الله فلانَ بالفالج، أي ابتلاه به وأرسله عليه. وقيل: معناه حجبناهم عن السمّع، وسددنا نفوذ الصوت إلى مسامعهم، وهذا وصف الأموات والنيام. وقال قطرب: هو كقول العرب: ضرب الأمير علي يد الرعية، إذا منعهم عن العبث والفساد، وضرب السّيد على يدي عبده المأذون في التجارة، إذا منعه عن التصرّف فيها. قال الأسود بن يعفر، وكان ضريرًا:
ومن الحوادث لا أبا لك أنني ** ضربت عليّ الأرض بالأسداد

{سِنِينَ عَدَدًا} أي معدودة، وهو نعت للسنين، فالعدّ المصدر، والعدد الاسم المعدود، كالنقص والنقض والخبط والحبط. وقال أبو عبيدة: هو نصب على المصدر.
{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ}، يعني من نومهم؛ {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا}، وذلك حين تنازع المسلمون الأوّلون أصحاب الملك، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا حين أوى أصحاب الكهف في قدر مدّة لبثهم في الكهف، فقال المسلمون الأولون: مكثوا في كهفهم ثلاثمئة سنة وتسع سنين، وقال المسلمون الآخرون: بل مكثوا كذا وكذا. فقال الأوّلون: الله أعلم بما لبثوا، فذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ}، لتعلموا {أَيُّ الحِزْبَيْنِ}: الفريقين {أحصى}: أصوب وأحفظ {لِمَا لَبِثُواْ} في كهفهم نيامًا، {أَمَدًا}: غاية.
وقال مجاهد: عددًا. وفي نصبه وجهان: أحدهما على التفسير والثاني لوقوع {لِمَا لَبِثُواْ} عليه.
{نَحْنُ نَقُصُّ}، أي نقرأ وننزل {عَلَيْكَ نبَأَهُم}، أي خبر أصحاب الكهف {بالحق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ}: شبان وأحداث {آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ}، حكم الله لهم بالفتوّة حين آمنوا بلا واسطة لذلك. وقال أهل اللسّان: رأس الفتوّة الإيمان. وقال الجنيد: الفتوّة كفّ الأذى وبذل الندى، وترك الشكوى. وقيل: الفتوّة شيئان: اجتناب المحارم، واستعمال المكارم. وقيل: الفتى من لا يدّعي قبل الفعل، ولا يزكّي نفسه بعد الفعل. وقيل: ليس الفتى من يصبر على السياط، إنما الفتى من جاز على الصراط. وقيل: ليس الفتى من يصبر على السكين، إنما الفتى من يطعم المسكين.
{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} إيمانًا وبصيرة وإيقانًا.
{وَرَبَطْنَا}: وشددنا {على قُلُوبِهِمْ} بالصبر، وألهمناهم ذلك، وقوّيناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش، وفرّوا بدينهم إلى الكهف، {إِذْ قَامُواْ} بين يدي دقيانوس {فَقَالُواْ} حين عاتبهم على تركهم عبادة الصنم: {رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ}: لن نعبد {مِن دُونِهِ إلها لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}، يعني إن دعونا غير الله، لقد قلنا إذن شططًا. قال ابن عباس ومقاتل: جورًا. قال قتادة: كذبًا. وأصل الشطط والإشطاط: مجاوزة القدر، والإفراط.